نهاية البرمجيات أم نهضتها؟ كيف يعيد الذكاء الاصطناعي صياغة البرمجيات كخدمة (SaaS)

هل يُهدد الذكاء الاصطناعي مستقبل البرمجيات كخدمة (SaaS)، أم يُطلقها نحو مستويات أعلى؟ تعتمد الإجابة على منظورك. فمن خلال متابعة الحديث العالمي حول التقنية، نجد أن العديد من المعلقين يحملون وجهة نظر متشائمة. يتوقع البعض أن الذكاء الاصطناعي سينهي البرمجيات كخدمة (SaaS) كما نعرفها اليوم. وهذه النظرة المتشائمة ليست مجرد آراء، بل تستند إلى بيانات ملموسة؛ فقد شهدت مضاعفات البرمجيات كخدمة (SaaS) انخفاضاً كبيراً إلى 5.2 مرة من الإيرادات، وهو تراجع ملحوظ مقارنة بمستويات فترة جائحة فيروس كورونا وما قبلها.

ومع ذلك، فتظل البرمجيات كخدمة (SaaS) من فئات الشركات الناشئة الأكثر جاذبية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والأسواق التقنية الناشئة الأخرى، حيث يبرز حماس المؤسسين والمستثمرين في هذه الأسواق.

كيف يمكن التوفيق بين هذه الآراء المتضاربة؟ إذا كانت البرمجيات كخدمة (SaaS) فعلًا في نهايتها عالميًا، فما الذي يعنيه ذلك للمناطق التي بدأت مؤخرًا في بناء منظوماتها البرمجية، مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ وربما يكون الأمر الأكثر إثارة للاهتمام هو: هل يُشكّل نهوض الذكاء الاصطناعي في تطوير البرمجيات فرصة غير مسبوقة لهذه المراكز التقنية الناشئة؟

لماذا قد ينهي الذكاء الاصطناعي البرمجيات كخدمة (SaaS) – ولماذا قد تبقى؟

بينما تُفسر العوامل الدورية كالنقلة النوعية للإنفاق من "البرامج التقليدية" إلى مشاريع الذكاء الاصطناعي ودورات مبيعات أطول وارتفاع معدلات الفائدة جزءًا من تراجع الاهتمام بالبرمجيات كخدمة (SaaS)، لايزال هنالك حجتين أساسيتين تثيران القلق حول مستقبل البرمجيات كخدمة (SaaS).  

تعدد استخدامات الذكاء الاصطناعي: هل أداة واحدة مناسبة لتلبية جميع الاحتياجات؟

تشير الحجة الأولى  بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة ستصل إلى مستوى عالٍ من الكفاءة في مجموعة متنوعة من المهام، مما قد يمكّنها من استبدال التطبيقات المتخصصة بالبرمجيات كخدمة (SaaS) التي تستخدم الذكاء الاصطناعي. ولا يتعلق الأمر بالقدرات وحدها، بل أيضاً مقارنةً بواجهة الذكاء الاصطناعي الحوارية والمبسطة قد تبدو واجهة البرمجيات كخدمة (SaaS)  التقليدية مملة ومعقدة.

ومع ذلك، ظلّ قطاع البرمجيات يتناوب لفترة طويلة بين الحلول المتخصصة وباقات العروض الشاملة، وذلك لأسباب وجيهة. على الرغم من أن أنظمة الذكاء الاصطناعي المتكاملة تحمل مزاياها الخاصة، إلا أن العروض المتخصصة التي تندمج بشكل فعال مع تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة تمتلك مزايا بارزة، تشمل:

1. تجربة المستخدم: قوة البساطة: تتفوق البساطة غالبًا على التعقيد الشامل. تفشل العديد من "التطبيقات الفائقة" لأن تجارب المستخدم التي تسعى إلى تقديم كل شيء عادة ما تؤدي إلى عدم التفوق في أي شيء.

   
   

2. ميزة واجهة المستخدم الهجينة: لا تُعتبر اللغة الطبيعية المعيار الأمثل لجميع التفاعلات. فمن المحتمل أن يجمع المستقبل بين اللغة الطبيعية والواجهات الرسومية المخصصة، وتتميز منتجات البرمجيات كخدمة (SaaS) المتخصصة بكونها مُهيأة بشكل مثالي لتقديم هذا المزيج. على سبيل المثال، تُظهر شركة سيستيك (Sestek)، المتخصصة في المحادثات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، هذا الاتجاه من خلال دمج واجهات مستخدم مخصصة النطاق مع تفاعلات اللغة الطبيعية في خدمة العملاء، مما يُعزز فعاليّة دعم الوكلاء.

   
   

3. قوة الحلول المخصصة: تفضل الشركات الحلول المخصصة على الوعود الشاملة الغامضة. تتميز منتجات البرمجيات كخدمة (SaaS) بقدرتها على معالجة المشاكل المحددة بشكل فعّال.
   

    

4. ميزة تخصيص النطاق: تتطلب حلول الذكاء الاصطناعي الفعالة أكثر من مجرد نماذج متقدمة. فتعد البيانات المخصصة في نطاق محدد والتكاملات عوامل أساسية أيضًا. تمتلك الحلول البرمجية المتخصصة المدعومة بالذكاء الاصطناعي ميزة تنافسية، لا سيما في المجالات التي لا تحظى بأولوية من قبل أنظمة الذكاء الاصطناعي العامة.

تسليع البرمجيات: هل تستطيع البرمجيات كخدمة (SaaS) الهروب من مصير الإعلام؟

قدم كريس بايك من بيس كابيتال (Pace Capita) حجة أساسية ضد منظومة البرمجيات في مقالته "نهاية البرمجيات". حيث أكد من خلال هذا المقال أن الذكاء الاصطناعي سيدفع تكاليف إنشاء البرمجيات إلى قرابة الصفر، مما سيساهم في تسليع المجال ويقوض قدرة الشركات على فرض أسعار مرتفعة، تمامًا كما فعلت شبكة الإنترنت مع الإعلام. ويتصور بايك بأنه سيتم استبدال شركات البرمجيات مع المنصات المدعومة بالذكاء الإصطناعي والتي تساهم في حل مشاكل العملاء بفعالية. 

رغم أن هذه الحجة تثير التساؤلات، إلا أنها تتجاهل عوامل محورية ستساهم في ازدهار شركات البرمجيات كخدمة (SaaS) في عالم مدفوع بالذكاء الاصطناعي، مثل:

1. ما وراء التكلفة: العوامل الخفية في تحديد أسعار البرمجيات: يتم تحديد أسعار البرمجيات بناءً على القيمة التي تقدمها، وليس تكاليف الإنتاج. ستدفع الشركات مقابل منتجات البرمجيات كخدمة (SaaS) التي تحل المشاكل الحقيقية بفعالية وتخلق قيمة ملموسة بطريقة متميزة تمامًا مثل المحتوى الإعلامي المتميز.

   
   

2. التميز المستدام والحواجز التنافسية: حتى إذا اتجهنا إلى تسليع تطوير البرمجيات، لا تزال شركات البرمجيات كخدمة (SaaS) قادرة على التميز من خلال إدارة منتجات متميزة وتجربة المستخدم وهندسة النظام وعلوم البيانات. ستظل الحواجز التقليدية للبرمجيات مثل التكامل العميق وتأثيرات الشبكة ومجموعات البيانات الفريدة والعلاقات مع العملاء والتوطين وثقة العلامة التجارية قائمة خاصة في مجال البرمجيات ذات الاستخدام المؤسسي. 

   تتيح هذه المميزات والحواجز لشركات البرمجيات المتخصصة التعايش مع المنصات وشركات التقنية الكبرى. فقد تأقلم قطاع البرمجيات منذ مدة طويلة مع وجود هذه الكيانات الكبرى من خلال التحلي بالمرونة والسرعة وتقديم حلول متخصصة تعجز أو ترفض الكيانات الكبرى تقديمها. وسيستمر هذا النمط في عصر الذكاء الاصطناعي.

ثورة البرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي: التكيف والابتكار أو الفناء

في حين أن البرمجيات لن تنتهي، إلا أنها تتجه نحو تحول ثوري. فالذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة أخرى؛  بل هو عامل محفز سيعيد تشكيل قطاع البرمجيات بشكل جذري. بينما قد يبدأ المتشائمون في حبك قصص النهاية، فإن هذا التحول يقدم فرصة غير مسبوقة للجهات المرنة المستعدة لإعادة هيكلة نفسها.

تتجاوز هذه الثورة مجرد تحسين حلول البرمجيات الحالية. من خلال قدرات الذكاء الاصطناعي المتطورة، فإن شركات البرمجيات كخدمة (SaaS) مهيأة لمواجهة تحديات جديدة بتكلفة مناسبة، مما يتيح لها اختراق أسواق جديدة لم يصلها الذكاء الاصطناعي بعد. على سبيل المثال، شهدت الولايات المتحدة في قطاع القانون انتشار عدد كبير من شركات البرمجيات القانونية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، حيث تتناول عشرات الشركات الناشئة جوانب مختلفة من العمل القانوني.

 ولا يقتصر هذا الاتجاه على الولايات المتحدة، ففي الإمارات العربية المتحدة تتميز سبيكتر باستخدام نماذج محلية ومجموعة بيانات قانونية لتحسين الدقة والأهمية في إطار الشرق الأوسط. ويوضح هذا النهج كيف يمكن لشركات البرمجيات كخدمة (SaaS) بناء قيمة كبيرة من خلال التخصص الإقليمي، حتى في سوق تنافسي عالمي.

ويمتد هذا التحول إلى نماذج العمل أيضًا. فنحن نشهد انتقالة نوعية من نماذج التسعير القائمة على المستخدمين وعدد المستخدمين إلى هياكل تسعير أكثر ديناميكية تعتمد على الاستخدام والنتائج. يمكّن هذا التطور شركات البرمجيات من تحقيق توافق أكبر بين إيراداتها والقيمة الفعلية التي توفرها، مما يتيح فرصًا جديدة للنمو ورضا العملاء.

ربما يكون الأمر الأكثر إثارة هو إتاحة تطوير البرمجيات للجميع. تساهم تقنيات الذكاء الاصطناعي في كسر الحواجز التي تعيق الدخول إلى مجالات البرمجة حول العالم، وقد يخلق ذلك موجة جديدة من ريادة الأعمال في مجال البرمجيات كخدمة (SaaS) في المناطق التي لم تخدم  بشكل كافٍ من قبل صناعة التقنية.

المُوازن العظيم: وعد الذكاء الاصطناعي لمنظومات البرمجيات كخدمة (SaaS) الناشئة

تُواجه منطقة الشرق الأوسط، كالعديد من أسواق التقنية الناشئة، تحديات بارزة في بناء منظومة برمجية قوية رغم النمو الملحوظ الذي تشهده. ومع ذلك، فقد يساهم ظهور أدوات التطوير المدعومة بالذكاء الاصطناعي وكذلك العوامل البرمجية الشاملة في تحقيق التوازن وإحداث تحولٍ جذري.

تعمل هذه الأدوات المدعومة بالذكاء الاصطناعي التي تساعد على توليد النص البرمجي واكتشاف الأخطاء والاختبارات المؤتمتة على كسر الحواجز التي تعيق دخول المجال في مختلف أنحاء العالم. فهي تمكّن رواد الأعمال والشركات في الشرق الأوسط من تصميم وتطوير ونشر حلول البرمجيات كخدمة (SaaS) باستخدام فريق تطوير برمجيات أقل عددًا وأكثر كفاءة. وعلى الرغم من أنها ليست حلاً سحريًا، إلا أنها ستسمح بإتاحة تطوير البرمجيات لجميع الشركات في الشرق الأوسط والتنافس عالميًا.

للتوضيح، لا تقتصر الفجوات المهارية على مهارات تطوير البرمجيات فقط، بل تشمل جوانب أخرى تحتاج الأنظمة البرمجية الناشئة إلى معالجتها. للاستفادة القصوى من الفرص المتاحة، يجب أن يتحول التركيز من البرمجة التقليدية إلى مجموعة شاملة من الكفاءات الضرورية التي تتضمن: 

1. إدارة المنتج الاستراتيجية: أصبح إدراك احتياجات المستخدمين وإيلاء الأولوية للخصائص وتصميم تجارب بديهية أمرًا بالغ الأهمية. 

   
   

2. الهندسة المعززة بالذكاء الاصطناعي: ينتقل التركيز نحو تصميم الأنظمة ودمج تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي والتعاون الفعال مع أنظمة الذكاء الاصطناعي ومراقبتها. 

   
   

3. علم البيانات والتحليلات: أصبحت القدرة على التعامل مع البيانات وفهمها أمرًا أساسيًا مع زيادة تأثير الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرارات.

يجب أن يتجاوز محترفي البرمجيات في المستقبل حدود كتابة النصوص البرمجية ليصبحوا مهندسين استراتيجيين يتمتعون بقدرة فائقة على تصور الاحتياجات والحلول. ويتطلب ذلك استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل فعّال لتحويل الأفكار الإبداعية إلى واقع ملموس. ويتعين عليهم تعزيز خبراتهم في أدوات التطوير المدعومة بالذكاء الاصطناعي، لرفع كفاءتهم وتمكينهم من المنافسة بفعالية في السوق العالمي للبرمجيات كخدمة (SaaS).

يجب التركيز على تعزيز هذه المهارات من خلال المبادرات التعليمية وحاضنات الشركات الناشئة والشراكات بين القطاعين العام والخاص. وبالتالي، فقد تتطور مكانة منطقة الشرق الأوسط لتصبح مركزًا عالميًا لتطوير حلول البرمجيات كخدمة (SaaS) عن طريق إنشاء منظومة داعمة لابتكارات البرمجيات كخدمة (SaaS) المدعومة بالذكاء الاصطناعي بما في ذلك إتاحة أحدث أدوات الذكاء الاصطناعي والتدريب عليها.

الختام: نهضة عصر البرمجيات كخدمة (SaaS) المدعومة بالذكاء الاصطناعي

نحن لا نشهد نهاية البرمجيات كخدمة (SaaS)، بل نشهد تحولًا سريعًا ومتواصلًا نحو آفاق جديدة.

حصد مزودي البنية التحتية الأساسية للذكاء الاصطناعي الفوائد الأولية من ثورة الذكاء الاصطناعي في السنوات القليلة الماضية. كما أظهرت مؤتمرات المطورين الأخيرة من أبل ومايكروسوفت، أننا الآن على أعتاب مرحلة الذكاء الاصطناعي الحدّي (Edge AI)، وذلك مع ظهور الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر الشخصية المدعومة بالذكاء الاصطناعي في الأفق. ومع ذلك، فنحن نقترب من نقطة تحول جديدة. ستشهد السنوات القادمة تحولًا كبيرًا نحو مرحلة تطبيقات البرمجيات المدعومة بالذكاء الاصطناعي، مع تزايد القيمة المرتبطة بطبقة البرمجيات. إن دمج الذكاء الاصطناعي في البرمجيات كخدمة (SaaS) ليس مجرد تغيير تدريجي؛ بل يعد محفزًا  لعصر جديد من الابتكار، واعدًا بحلول برمجية أكثر كفاءة وذكاءً ومتاحة بشكل أكبر من أي وقت مضى.

يعد هذا التطور مثيرًا للغاية، فقد تساهم هذه الثورة في إتاحة تطوير البرمجيات على مستوى عالمي، مما يساعد بعض المناطق كالشرق الأوسط على أن تصبح من الأسماء البارزة في اقتصاد البرمجيات كخدمة (SaaS).

إن مستقبل البرمجيات كخدمة (SaaS) مدعوم بالذكاء الاصطناعي وموزع عالميًا ومليء بالإمكانيات. لذا، فقد حان الوقت لتبني هذا التغيير وصياغة الجيل القادم من حلول البرمجيات. فإن هذه ليست سوى بداية ثورة البرمجيات كخدمة (SaaS) المدعومة بالذكاء الاصطناعي - ولأول مرة، الدعوة موجهة للجميع.